قال (عليه السلام): إذن تقتلون عبدالله وأخا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
فقال أبوبكر: أما عبدالله فنعم، وأما أخو رسوله فلا نقرّ لك به.
فقال (عليه السلام): أتجحدون أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) آخى بين نفسه وبيني؟ فأعادوا عليه ذلك ثلاث مرات.
ثم أقبل عليّ (عليه السلام) عليهم، وقال:
يا معاشر المهاجرين والانصار: أنشدكم بالله، أسمعتم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول يوم غدير خم: من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه. وفي غزوة تبوك: يا علي! أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوّة؟ قال: ولم يدع شيئاً قاله فيه (عليه السلام) علانية للعامة إلا ذكره. فقالوا: اللهم نعم.
فعندئذٍ خاف أبوبكر أن ينصروه ويمنعوه، فبادرهم، فقال: كل ما قلته قد سمعناه بآذننا ووعته قلوبنا، ولكن سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول بعد هذا: إنّا أهل بيت اصطفانا الله وأكرمنا واختار لنا الاخرة على الدنيا، وإن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوّة والخلافة.
فقال علي (عليه السلام): أما أحد من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) شهد هذا معك؟
فقال عمر: صدق خليفة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قد سمعنا هذا منه كما قال!!
وقال أبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل: صدق، قد سمعنا ذلك من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
فقال عليّ (عليه السلام): لقد وفيتم بصحيفتكم الملعونة التي قد تعاقدتم عليها في الكعبة: إن قتل الله محمداً أو أماته أن تزووا ـ تنحّوا ـ هذا الامر عنا أهل البيت.
فقال أبوبكر: وما علمك بذلك؟ أطلعناك عليها؟
فقال علي (عليه السلام): يا زبير ويا سلمان وأنت يا مقداد أذكركم بالله وبالاسلام، أسمعتم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول ذلك لي: إن فلاناً وفلاناً ـ حتى عدّ هؤلاء الخمسة ـ قد كتبوا بينهم كتاباً وتعاهدوا وتعاقدوا على ما صنعوا؟.
قالوا: اللهم نعم، قد سمعنا يقول ذلك لك، فقلت له: بأبي أنت وأمي يا نبي الله، فما تأمرني أن أفعل إذا كان ذلك؟ فقال لك: إن وجدت عليهم أعواناً فجاهدهم ونابذهم، وإن لم تجد اعواناً فبايعهم واصبر واحقن دمك.
فقال علي (عليه السلام): أما والله لو أن أولئك الاربعين رجلاً الذين بايعوني، وفوا لي، لجاهدتكم في الله والله حق جهاده، أما والله لا ينالها أحد من عقبكم إلى يوم القيامة.
ثم أشار إلى قبررسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقال: «يابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الاعداء».
ثم مدّوا يده وهو يقبضها، حتى وضعوها فوق يد أبي بكر، وقالوا: بايع، بايع، وصيح في المسجد: بايع، بايع أبوالحسن!!!
أقول: فهل هذه بيعة؟!! وعلى ماذا بايع؟؟ وماذا قال في بيعته؟؟
ثم قيل للزبير: بايع الآن، فأبى، فوثب عليه عمر وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة في أناس، فانتزعوا سيفه من يده، فضربوا به الارض حتى كسر. فقال الزبير ـ وعمر على صدره ـ : يا ابن صهّاك ـ صهّاك: أمة حبشية ـ أما والله لو أن سيفي في يدي لحدت ـ أي لعدلت ـ عني، ثم بايع.
قال سلمان: ثم أخذوني فوجؤوا عنقي ـ داسوا عنقي بأرجلهم ـ وفتلوا ـ أي لوو ـ يدي، فبايعت مكرها، ثم بايع أبوذر وإسلام الراهب على يد الإمام علي ( عليه السلام )
لما توجَّه الإمام علي ( عليه السلام ) إلى صفين ، لحق أصحابه عطشٌ شديد ، ونفد ما كان معهم من الماء ، فأخذوا يميناً وشمالاً يلتمسون الماء فلم يجدوا له أثراً .
فعدل بهم أَمير المؤمنين ( عليه السلام ) عن الجادَّة وسار قليلاً ، فلاح لهم ديرٌ في وسط البرِّيَّـة فسار بهم نحوه ، حتى إذا صار في فنائه أمر مَنْ نادى ساكنه بالاطِّلاع إليهم فنادَوه فاطَّلع ، فقال له أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : هل قُرب قائمك هذا ماء يتغوَّثُ به هؤلاء القوم ؟
فقال : هيهات ، بيني وبين الماء أكثر من فرسخين ، وما بالقرب مِنِّي شيء من الماء ، ولولا إنـني أُوتي بماءِ يكفيني كلَّ شهر على التقتير لتلفت عطشاً .
فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : أَسَمعتم ما قال الراهب ؟
قالوا : نعم ، أفتأمرنا بالمسير إلى حيث أومأ إليه ، لعلَّنا ندرك الماء وبنا قوَّة ؟
فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : لا حاجة بكم إلى ذلك ، ولوى عنق بغلته نحو القبلة وأشار لهم إلى مكان يقرب من الدير .
فقال ( عليه السلام ) : اكشفوا الأرض في هذا المكان ، فعدل جماعة منهم إلى الموضع فكشفوه بالمساحي ، فظهرت لهم صخرة عظيمة تلمع .
فقالوا : يا أمير المؤمنين ، هنا صخرة لا تعمل فيها المساحي .
فقال لهم ( عليه السلام ) : إنَّ هذه الصخرة على الماء ، فإن زالت عن موضعها وجدتم الماء ، فاجتهدوا في قلبها .
فاجتمع القوم وراموا تحريكها فلم يجدوا إلى ذلك سبيلاً واستصعبت عليهم .
فلما رآهم ( عليه السلام ) قد اجتمعوا وبذلوا الجهد في قلع الصخرة فاستصعبت عليهم ، لوى ( عليه السلام ) رجله عن سرجه حتى صار على الأرض ، ثم حسر عن ذراعيه ووضع أصابعه تحت جانب الصخرة فحرَّكها ، ثم قلعها بيده .
فلما زالت عن مكانها ظهر لهم بياض الماء ، فتبادروا إليه فشربوا منه ، فكان أعذب ماء شربوا منه في سفرهم وأبرده وأصفاه ، فقال لهم : تزوَّدوا وارتَوُوا ، ففعلوا ذلك .
ثم جاء إلى الصخرة فتناولها بيده ووضعها حيث كانت ، وأمر أَن يُعفى أثرها بالتراب ، والراهب ينظر من فوق ديره ، فلما استوفى عِلم ما جرى نادى : يا معشر الناس أنزلوني أنزلوني .
فاحتالوا في إنزاله فوقف بين يدي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقال له : يا هذا أنت نبيُّ مرسل ؟
فقال ( عليه السلام ) : لا .
قال الراهب : فملك مقرَّب ؟
قال ( عليه السلام ) : لا .
قال الراهب : فمن أنت ؟
قال : أنا وصي رسول الله محمد بن عبد الله خاتم النبيِّين .
قال الراهب : أبسط يدك ، أُسلم لله تبارك وتعالى على يدك ، فبسط أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يده وقال له : اشهد الشهادتين .
فقال الراهب : أشهد أَن لا اله إلا الله ، وأشهد أن محمداً رسول الله ، وأشهد أنك وصي رسول الله ، وَأَحَقَّ الناس بالأمر من بعده .
فأخذ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) عليه شرائط الإسلام ثم قال له : ما الذي دعاك إلى الإسلام بعد طول مقامك في هذا الدير على الخلاف ؟
فقال : أخبرك – يا أمير المؤمنين – ، إن هذا الدير بُنِي على طلب قالع هذه الصخرة ومخرج الماء من تحتها ، وقد مضى عالم قبلي لم يدركوا ذلك ، وقد رزقنيه الله عزَّ وجلَّ ، وأنـا نجد في كتاب من كتبنا ونأثرُ عن علمائنا أن في هذا الصقيع عيناً عليها صخرة ، لا يعرف مكانها إلا نبيّاً أو وصيَّ نبيٍّ .
وأنه لا بد من ولي لله يدعو إلى الحقِّ ، آيته معرفة مكان هذه الصخرة ، وقدرته على قلعها ، وإني لما رأيتك قد فعلت ذلك تحققَ ما كنت أنتظره ، وبلغت الأمنية منه ، فأنا اليوم مسلم على يدك ، ومؤمن بحقك وموالاتك .
فلما سمع ذلك أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال : الحمد لله الذي لم أكن عنده منسياً ، الحمد لله الذي كنت في كتبه مذكورا .
ثم دعا الناس فقال لهم : اسمعوا ما يقول أخوكم هذا المسلم ، فسمعوا مقالته .
ثم سار ( عليه السلام ) والراهب بين يديه في جملة أصحابه حتى لقي أهل الشام ، فكان الراهب من جملة من استشهد معه ، فتولى الإمام ( عليه السلام ) الصلاة عليه ودفنه وأكثر ( عليه السلام ) من الاستغفار له .
المقداد مكرهين، وما من الأمّة أحد بايع مكرها غير عليّ وهؤلاء الاربعة.
اغتيال الإمام علي (عليه السلام)
اغتيل الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) في فجر يوم التاسع عشر من شهر رمضان المبارك في مسجد الكوفة ، و خرَّ صريعاً في المحراب متشحطاً بدمه الطاهر قائلاً : ( فزتُ وربّ الكعبة ) لأنه الفائز الأكبر ، فقد فاز ( سلام الله عليه ) في الدنيا و الآخرة و ذلك هو الفوز العظيم .
وأي فوز أعظم من أن يقضي الإنسان عمره في سبيل الله وفي سبيل الإسلام المحمدي ، وفي سبيل إرساء دعائم العدالة والمساواة في المجتمع ، والقضاء على الظلم والجور وانصاف المظلومين .
لقد كانت شهادته ( عليه السلام ) انتصاراً له ، وأي نصر أعظم من أن ينتصر الإنسان على أعداء الرسالة الإسلامية من القاسطين والمارقين والناكثين لأجل خلاص الأمة الإسلامية منهم ليكون الدين كله لله عزّ وجل .
فإن اغتيال الإمام علي ( عليه السلام ) هو المجسد الحقيقي للإسلام الأصيل ، والمطبِّق لجميع أحكامه وقوانينه ، والمنفِّذ لجميع تشريعاته .
فقد كان اغتيالاً للإسلام الذي بناه بجهده وجهاده وكيانه ودمه ، واغتيالاً للأمة حيث فقدت خليفة وقائداً إسلامياً فذّاً ، وقمة شامخة في العلم والفضل والجهاد ، وكان جبلاً راسخاً من الثبات والاستقامة والشجاعة والبطولة ، وعَلَماً من أعلام الدين وإماماً للمتقين .
إن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وُلد في بيت الله واستشهد في بيت الله تعالى ليكون رمزاً ومثالاً للمتقين ، وإماما للساجدين والعابدين والزاهدين ، وسيداً من أسياد الجنة المبشرين .
وإن على المسلمين في العالم معرفة هذا الإمام العظيم ، والتمسك والالتزام بمنهجه السوي وسيرته العطرة ومبادئه القيمة .
وإننا نعاهدك يا أبا الحسن أن نسير على دربك ، ونقتدي بك ونجعلك قدوة لنا في أعمالنا وسلوكنا وتعاملنا مع أمتنا الإسلامية ، ومع أسرتنا ومجتمعنا وأخواننا المؤمنين ، وتعاملنا مع قوى الكفر والإلحاد ، فنكون حرباً لمن حاربت ، وسِلماً لمن سالمت .
اللهم اجعلنا من السائرين على خطى الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) والذابين والمدافعين عن الإسلام ، والمهتمين بأمور المسلمين ، بحق محمد وآله الطيبين الطاهرين .
بطولة الامام علي (عليه السلام) في معركة بدر
بعد أن استقر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في المدينة بدأ يخطط عسكرياً لضرب رأس المال الذي كانت قريش تعتمد عليه اعتماداً مباشراً في تجارتها، ولتحقيق هذا الهدف خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً من اصحابه للسيطرة على القافلة التجارية التي كان يقودها أبو سفيان.
علم أبو سفيان بخطة المسلمين فغيّر طريقه وأرسل الى مكة يطلب النجدة من قريش، فاقبلت بأحقادها وكبريائها بألف مقاتل وقرروا الهجوم على جيش النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه بالقرب من بئر ماء يدعى (ماء بدر) يبعد (160) كيلومتر عن المدينة المنورة.
دفع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الراية الى أمير المؤمنين (عليه السلام) ولواء المهاجرين الى مصعب بن عمير ولواء الخزرج الى الحباب بن المنذر ولواء الاوس الى سعد بن معاذ وقال: اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تُعبد في الارض.
فبرز علي (عليه السلام) الى الوليد بن شيبة فضربه على يمينه فقطعها فأخذ الوليد يمينه بيساره فضرب بها هامة علي ويقول (عليه السلام) : ظننت أن السماء وقعت على الارض، ثم ضربه (عليه السلام) ضربة أخرى فقتله، وبرز له حنظلة بن أبي سفيان فضربه (عليه السلام) فسالت عيناه ولزم الارض, وأقبل العاص بن سعيد فلقيه علي (عليه السلام) فقتله، وسأل رسول الله: من له علم بنوفل بن خويلد فاجاب علي (عليه السلام): أنا قتلته، فكبّر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: الحمد لله الذي أجاب دعوتي فيه.
تربية الامام علي (عليه السلام) في حجر النبي (ص)
تولّى النبيّ الكريم (ص) بنفسه تربية عليّ (ع ) بعد ولادته، وذلك عندما أتت فاطمة بنت أسد بوليدها المبارك الى رسول اللّه (ص ) فلقيت منه حباً شديداً له، حتى أنه قال لها: «إجعلي مـهـده بـقرب فراشي »، وكان (ص) يطهّر عليّاً أثناء غسله، ويحرك مهده عند نومه، ويناغيه في يقظته، ويتأمّله ويقول : «هذا أخي وولييّ وناصري وصفيّي وذخري وكهفي وصهري ووصيّي وزوج كريمتي وأميني على وصيتي وخليفتي»